خُلق الإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يسير في أي طريق إلا ومعه من يؤنسه ويشجعه ويملأ عليه حياته أياً كان هذا الطريق خيراً أو شراً ولا يستطيع أن يعيش وحده أبداً؛ لذلك كانت أهمية وجود الصاحب في الحياة مثل الطعام والشراب.
فتأثير الصاحب في سلوك الواحد منا قد يكون أكثر من تأثير كل ما تعلمه هذا الشخص طوال حياته أو تربى عليه أو حتى توجيه الأب والأم أو المعلم لقرب الصاحب سنا وعقلاً من صاحبه، لذلك ارتبط صلاح أو فساد سلوك الفرد بصلاح أو فساد صاحبه، وكما قالوا "الصاحب ساحب".
وهناك أناس كثيرون تحسنت أحوالهم واقتربوا من الله أو حتى تطور أداؤهم في أشغالهم ودراستهم بسبب أصحابهم وهناك الكثير من الشباب الذين يريدون الخير لأنفسهم ولبلدهم، لكن جو الصحبة المحيط لا يسمح لهم بذلك فهناك الكثير ممن دمرت دنياهم وآخرتهم بسبب أصحابهم.
اعقد معي هذه المقارنة بين الصحبة الصالحة والصحبة السيئة ولنتدبر الأمر معا..
الصحبة الصالحة
إن الصاحب الصالح هو من تمنى لك الخير وفضلك على نفسه وكان بجانبك إذا احتجته.. يزيد حبه لك كلما رآك قد اقتربت من ربك أو نجحت في دنياك.. لا يحسدك.. يعذرك إذا أخطأت.. يقبل منك القليل ويذكرك بالخير في غيابك، ويدافع عنك أيضاً إذا ذكرك أحد بسوء..
هذه الصحبة اسمها الأخوة في الله وهذه الأخوة يحبها الله وكذلك يحبها النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك كانت النجاة في الدنيا.. هذا الحب الصادق الذي يحمل مشاعر الأخوة والإيثار فأنت في الجنة مع من أحببت.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله أحد الأعراب: "يا رسول الله متى الساعة؟"، فقال النبي "وما أعددت لها؟" قال: "ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولكني أحب الله ورسوله"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أنت مع من أحببت".. يعنى لو أصحابك بتحبهم تدخل معاهم الجنة حتى لو كنت إنت مقصر شوية..
وينادي الله يوم القيامة في وسط الزحام واقتراب الشمس من الرءوس مقدار شبر: "أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"..
وأيضاً قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "سبعة يظلهم الله في ظلة يوم لا ظل إلا ظله" ومنهم اثنان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه..
وكلما أحببت صاحبك أو أحببتِ أختك أو صاحبتك زاد حب الله لك لذلك يقول أحد الصالحين: "ما تحاب اثنان في الله إلا كان أقربهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه".
ويقول "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه: "ما أعطي عبد نعمة بعد الإسلام خيراً من أخ صالح"..
وانظر لهذا النموذج الرائع للأخوة بين النبي و"أبى بكر الصديق".. كان المشركون يجتمعون على رسول الله -صلى اله عليه وسلم- يضربونه فذاك يجذبه من ثيابه وهذا يدفعه فجاء "أبو بكر" يدفعهم عن رسول الله ويقول: "أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله". فتركوا النبي واجتمعوا على "أبى بكر الصديق" وأخذوا يضربونه حتى تورم وجهه وأغشي عليه فحمله أهله إلى البيت بين الحياة والموت وقيل لأمه لو عاش فأطعميه وأسقيه فلما أفاق بعد فترة قال: "ماذا فُعل برسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟؟"
انظر.. أول شيء كان بالنسبة له هو أن يطمئن على النبي!!! فقالت له أمه وكانت وقتها كافرة: "دعك من "محمد" فقد أوذيت من أجله". فقال: "لا آكل ولا أشرب حتى أراه بعيني"، فحملوه إلى بيت النبي، فلما رآه الرسول احتضنه وبكى الاثنان.. فانظر لهذا الحب الرائع في الله.
وانظر لهذه القصة الرائعة لأحد الصالحين واسمه "إبراهيم بن أدهم" لما سافر مع اثنين من أصحابه وأراد الاستراحة في مسجد لم يكن له باب فأراد النوم، ولكن الرياح كانت شديدة البرودة فقام هو ووقف مكان فتحة الباب حتى يسد فتحته لينام أصحابه ووقف هو في البرد من أجلهم.
صحبة السوء
تخيل معي أصحاب المصلحة.. إنهم لا يحبونك إلا من أجل ما تملك (سيارة- فلوس- بنات).. يسخرون منك إذا كنت صادقاً لا تكذب.. إذا صليت قالوا لك: "يا عم الشيخ".. يسخرون منك إذا لبستِ الحجاب ويقولون: "إيه الخيمة اللي على راسك دي؟"..
كم من شاب تعلم السيجارة أو حتى المخدرات من أصحابه!! وكم من فتاة ضاعت بسبب صاحباتها..
وانظر لهذه القصة: في أيام النبي صلى الله عليه وسلم- كان هناك رجل اسمه "عقبة بن أبي معيط" من أشد الناس عداوة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وأكثرهم إيذاء له.. هذا الرجل تأثر جداً بكلام النبي ذات يوم وكاد يدخل الإسلام وكان وقتها أقرب أصدقائه صاحبه "أمية بن خلف" كان مسافراً فلما عاد من السفر قال له: "مالي أراك تفكر في أن تتبع "محمداً"؟ أقسمت عليك بما بيننا من الصداقة ألا تفعل".. وأخذ يضغط عليه حتى رجع عن فكرة الإسلام بل وذهب إلى رسول الله وهو يصلي وألقى على ظهرة القاذورات ليثبت لصاحبه أنه رجع عن فكرة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى: "ويوم يعض الظالِم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً [27] يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً [28] لقد أضلني عن الذِّكرِ بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً" [الفرقان:27ـ29].
انظر يوم القيامة أثناء العرض على الله والناس مشغولون بحالهم وماذا سيقولون لربهم.. تقوم خناقة بين الأصحاب؛ أصحاب السوء بين من كان سبباً في المعصية ومن عصى بسبب صاحبه..
يقول تعالى: "ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين [31] قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين" [سبأ:31ـ32].
هؤلاء يقولون أنتم السبب في معاصينا فيرد هؤلاء ويقولون لا تلقوا باللوم علينا فأنتم أصلاً كنتم مجرمين. لذلك لن ينفعك في الدنيا والآخرة إلا صاحب الخير وإلا صاحب يحب لك السعادة والقرب من الله. أما من كان يحبك لمصلحة أو لتؤانسه في معصية حتى لا يشعر هو بالذنب لأنه يفعلها وحده فهذا والله لا يحبك فلو كان يحبك لما تمنى لك الخسران في الدنيا والآخرة.
والآن: قل لي من صاحبك أقل لك من أنت.